يأخذ الكثير من المفكرين والمستشرقين على الحضارة العربية الإسلامية بأن أكثر مفكريها وعلمائها ذوي أصول غير عربية ويعتبرون ذلك مثلباً عليها وقسم منهم يتمادى فيعتبر العرب أمة جاهلة غير متحضرة وليس لها دور خلاّق في مسيرة الحضارة الإنسانية!. وهذا الأمر الذي نراه من زاويتنا غير صحيح بالمرة فمسألة بروز جمهرة عظيمة من العلماء والفقهاء من أصول غير عربية من بطون الحضارة العربية – الإسلامية هي مسألة إيجابية في صالح الحضارة العربية وليس العكس فهذه الحضارة (ولغتها الرسمية العربية)، لم تصادر ثقافة الآخر ولغته وتركت الحرية كاملة للتصرف بفكره وثقافته مع توفير البديل المتمثل بالقرآن الكريم التي اكتسحت كل اللغات أمامها وكما سنرى ثم استوعبتها وتفوقت عليها وتلك معجزة أكبر من معجزة انتشارها بوقت قصير. اللغة العربية هي إحدى لغات العائلة الجزرية العربية – أصلها جزيرة العرب – كالآشورية والبابلية والآرامية والفينيقية وكانت تستخدم بلهجات عديدة في الجزيرة العربية والبلاد التي انتشر بها العرب كالشام ومصر والعراق، وكانت لغة التخاطب الرئيسية في هذه المناطق بينما بقيت الآرامية لغة تدوين وتضاءلت الآشورية إلى ما يسمى بالسريانية والتي بقي مسيحيو العراق والشام يستعملونها خصوصاً في طقوسهم الدينية إلى يومنا هذا. ازدادت أهمية العربية بعد ظهور الإسلام ونزول القرآن بها وحلت محل هذه اللغات جميعا على حد قول الدكتور عامر سليمان واللغة الباقية أو الفصحى هي لغة وسط وشمال الجزيرة العربية ويرقى أقدم نقوشها إلى القرن الرابع الميلادي وكانت تستخدم الخط النبطي الآرامي في الكتابة بعد أن أخذ شكلاً حديثاً وكتبت حروفه متصلة بعضها ببعض وهي خالية من العلامات الخاصة بأصوات المد الطويلة واشتق من هذا الخط خط عربي جديد استخدم لتدوين اللغة العربية وهو أصل الخط العربي المستخدم الآن على حد قول الدكتور علي عبد الواحد وافي ثم أثبت هذا الخط مرونة غير محدودة بتطوره إلى علم وفن قائمين بذاتهما لم يصله خط أي لغة أخرى في العالم وأخذت عنه هذا الفن لغات الشرق قاطبة وصار يعرف بالحرف الإسلامي – العربي. على حد تسمية ولفنسون له لا لانه من مبتكرات الاسلام، اذ كان معروفا عند العرب قبل الاسلام ولكن لان الاسلام كان السبب الجوهري في انتشاره وشيوعه وبقائه الى الان، وانتصار الاسلام لا يماثله انتصار آخر اثر في تطور اللغة،و هذا التطور افادت منه اللغات القديمة التي كانت تنقرض لولا استيعابها من قبل العربية. القرآن واللغة تعتبر لغة القرآن الكريم خير معبر عن المستوى اللغوي الرفيع الذي وصله العرب اثناء وقبل نزوله، وعليه فمثلما كان القرآن الكريم داعما ورافعا لهذه اللغة وحافظاً لها وعليها فانها كذلك اعطته بعداً جمالياً وفنياً ما كانت اية لغة اخرى بمقدورها ان تعطيه وفي ذلك حكمة الهية ومعجزة لا يمكن ادراكها. لقد اكتسبت هذه اللغة نوعاً من القدسية لما يحظى به القرآن الكريم من قدسية فائقة، وبقى الرابط الوحيد والاصل للامم والشعوب الاسلامية، ثم اثبت التأريخ انه من غير الممكن لا بل من المستحيل مضاهاة معاني القرآن وحلاوته عند نقله الى لغة اخرى. ولهذا فقد احتلت العربية بفضل القرآن وبلاغته واعتماداً عليه مقام اللغة الحضارية التي انصهرت فيها تعابير الامم الاخرى حرفا وكتابة. واصبحت هذه العلاقة تأريخية ومتى ولد التأريخ لم يهزم ولم يمت. وفي هذا السياق يقول الرافعي: فانك تجد المسلمين يختلفون في كل شيء حتى في الدين نفسه ولا تجدهم الا شعوراً واحداً بالروح الدينية التي مساكها الكتاب ولغته العربية الفصيحة. هذه العلاقة التأريخية كشفت عن معجزة عربية على حد قول البروفسور جورج سارتون وابدعت حضارة عالمية وموسوعية في حجمها وباقل قرنين من الزمان وهو شيء يمكن وصفه ولكن لا يمكن تفسيره كاملا، ذلك ان القرآن بقى الينبوع الصافي والمعين الذي لا ينضب لعلماء الدين واللغة، ومنذ القرن الاول للهجرة ارتفع شأن العربية عندما استطاعت استيعاب دواوين الفرس والروم والقبط، واخذ العلماء بالتسابق في احياء قواعد هذه اللغة على اساس متين هو بنية القرآن المتينة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهكذا استهوت البلاغة العربية كل العلماء فهجروا لغتهم وكتبوا بالعربية، واخذوا بترجمة الكتب من لغاتهم الاصلية، الهندية والفارسية والسريانية الى العربية لانها اصبحت سيدة الساحة بدون منازع. ومع التوسع والاحتكاك بالحضارات الجديدة كان من المفروض ان تبدأ العربية بالتفكك الى لهجات ولغات متباينة، ولكن العكس هو الذي حدث بفضل القرآن الكريم والذي حمل بدوره هذه الاقوام على الحفاظ على هذه اللغة.
عمري
المشاركات
هوايتي
مهنتي
موضوع: لماذا كتبوا بالعربية!!!!! 
15/5/2008, 08:57
توقيع العضو : 
