السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان مدارس علم النفس مختلفة على تعريف متفق عليه فيما بينها لعلم النفس , ويبدو أننا ما زلنا لسنا على مقربة من ذلك التعريف الجامع المانع المتفق عليه , و على الرغم من ذلك إلا أنه يمكن القول أن علم النفس يحاول الإجابة عن السؤال " لماذا يتصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها ؟" .
ولعلي أثناء بحثي وجدت أن أكثر التعاريف شمولية وعلمية ويتلقى بالقبول لدى الكثيرين أيضا بأن علم النفس " هو ذلك العلم الذي يدرس السلوك الظاهر دراسة نظامية ويحاول تفسير علاقته بالعمليات غير المرئية التي تحدث داخل العضوية سواء العقلية منها أو الجسدية من جهة , وعلاقته بالحوادث الخارجية في البيئة من جهة ثانية ".
أما عن بداية علم النفس الحقيقية كعلم مستقل عن الفلسفة والفيزيولوجيا فتعود إلى سنة 1879 حين أنشأ العالم الألماني فيلهيلم فنت أول مختبر لعلم النفس في مدينة ليبزج في ألمانيا.
وفنت الذي ولد لأب قسيس تدرب ليصبح طبيبا , إلا أنه درس الفيزيولوجيا ولكن سرعان ما فقد الاهتمام بالجوانب العضوية للسلوك البشري , وبدلا من ذلك طور اهتماما فيما يمكن أن نسميه وعي الانسان ( Consciousness ) وكان مختبره فيما بعد أول مكان في العالم تدرس فيه هذه الظاهرة دراسة منظمة وجادة . وعلى الرغم من أن دراسات فنت وتلاميذه لا تبدو مثيرة الا انهم وضعوا اسس الدراسة النظامية للسلوك البشري , ولسنوات طويلة وتحت تأثير فنت أصبحت دراسة الخبرة الواعية للفرد موضوع الاهتمام الرئيس لعلم النفس .
انتقل علم النفس بتأثير فنت إلى الولايات المتحدة حيث عرفه وليم جيمس , الاب الروحي لعلم النفس في أمريكا بأنه العلم " الذي يهتم بدراسة الحياة العقلية " , ولقد استخدم أوائل علماء النفس طريقة الاستبطان " Introspection" أو التأمل الذاتي لدراسة الحياة العقلية للفرد حيث يقوم الفرد بتحسس والتماس المشاعر والاحاسيس الوجدانية التي تحتل حياته في حدث ما او عند سلوك معين , حيث كان يطلب من الفرد أن يحلل عملياته العقلية بموضوعية . و كان من الاهتمامات الرئيسية لعلم النفس عندئذ, وكما أشار إلى ذلك جيمس , المشاعر والرغبات والافكار والمحكات العقلية والقرارات التي يتخذها الافراد
**************
فرويد ومدرسة التحليل النفسي
الإطار الفلسفي لنظرية فرويد في التحليل النفسي: إن الإطار الفلسفي الذي انطلق منه فرويد في نظريته في التحليل النفسي كان من أسس بيولوجية وذلك من خلال طبيعة العمل الذي يعمل فيه فرويد وهو مجال الطب ، وقد ظهر واضحا في نظرياته في مجال الغرائز 0 وكذلك فسر فرويد الحياة النفسية لكل فرد يمكن تفسيرها على اتجاهين :ـ الاتجاه الأول : يتمثل في البناء الجسمي والعضوي للإنسان وذلك من خلال الجهاز العصبي الاتجاه الثاني : يتعلق بالأفعال الشعورية لدى الفرد ، وأما ما يكون فهو المجهول في منطقة اللاشعور .
نظرية الشخصية : Theory of Personality إن مفهوم الشخصية في نظرية التحليل النفسي الذي ترتكز على بناء الشخصية هو أحد القواعد الأساسية لنظرية التحليل النفسي التي تتمثل في مكونات الشخصية الثلاثة وأن لكل مكون خصائصه وصفاته ومميزاته ، إلا أنها في النهاية تكون وحدة واحدة تمثل شخصية الفرد ، وهذه المكونات الثلاثة هي :ـ
1ـ الهـو : The ID الذي يعتبر منبع الطاقة الحيوية النفسية ومستودع الغرائز والدوافع الفطرية ، وهو يمثل الأساس الغريزي الذي ينتج عنه الطاقة النفسية ، وهو فطري سيكولوجي وموجود منذ الولادة مع الطفل ، وهو مستودع الغرائز ، مثل غرائز اللذة والحياة والموت ، وهذه الغرائز كلها تعمل تحت سيطرة الهو ، وهو أيضا لا شعوري 0 والوظيفة الأساسية للهو في الكائن العضوي يمثل في جلب الراحة للفرد 0 فالهو عند الطفل الجائع تبحث بشكل عنيف وعاجل إلى أن يحصل الفرد على ما يريد من الطعام ، وذلك من أجل حصول الطفل على الراحة والهدوء بعد هذا الاشباع وهذا ما يسمى بمبدأ اللذة 0 وقد أشار باترسون إلى أن الهو تمثل الحقيقة النفسية الصحيحة ، حيث تمثل عالم الخبرات الداخلية للفرد وليس لديها أي معرفة بالحقيقة الموضوعية ، وتعمل الهو على تحقيق الرغبات دون الاهتمام بالقيم أو العادات والتقاليد والأعراف ، أو بما هو خير أو شر ولا يحكمها المنطق 0 أما في كيفية تحقيق اللذة وتجنب الألم من خلال وظيفة الهو ، فهناك عمليتان هما:ـ أـ الفعل المنعكس : وهو بدوره يؤدي إلى إمكانية تحقيق التوتر عند الفرد مباشرة وذلك مثل الغمز بالعين 0 ب ـ العمليات الأولية : وتتمثل في عملية تفريغ التوتر عن طريق تكوين صورة لموضوع ما يؤدي من خلاله إلى إزالة التوتر وذلك مثل الجوع عند الفرد ، والصورة التي تزيل التوتر هو الطعام ، وهي تمثل تحقيق الرغبة ، وكذلك ما يفعله الفرد من أحلام الليل التي يعتقد فرويد أنها تمثل دائما محاولة تحقيق الرغبة عند الفرد العادي 0
2ـ الأنا : The Ego يعتبر بمفهوم التحليل النفسي مركز الشعور والادراك الحسي الخارجي والداخلي والعمليات العقلية ، وهو الذي يقوم بدور الدفاع عن الشخصية وتوافقها ، وهو الذي يجعل هنا توافقا بين مطالب الهو والأنا الأعلى وبين الواقع 0 واعتبر الأنا المحرك الأساسي للشخصية ، فمن الواقع الذي يعيش فيه الفرد وذلك من أجل تحقيق التوازن والتوافق الاجتماعي للفرد في بيئته والالتزام بالعادات والتقاليد والقيم 0 ومن خلال ذلك يظهر لنا أن الأنا هو جزء من الهو قد تطور وتأثر في العالم الخارجي حتى يتمشى مع الحقيقة وذلك من أجل إمكانية تحقيق المتطلبات الغرائزية ، وعلى الرغم من أن الأساس في الأنا يبحث بشكل أو بآخر عن اللذة ، إلا أنها لا ترضى بالتناقض مع القيم والعادات والتقاليد التي تحكم سلوك الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه 0 ولقد أشار باترسون إلى أن الأنا هي الجزء المنفذ في الشخصية وتحول احتياجات الهو القوية ( الغريزية ، الفطرية ) بمساعدة الأنا الأعلى إلى حاجات ضعيفة مقبول عن طريق إعادة تنظيمها لكي تتمشى مع متطلبات الأنا الأعلى 0 ويظهر من ذلك أن الأنا تستمد طاقتها من الهو وتعمل لخدمته 0 ومن خلال ذلك نجد أن الأنا تمثل الموجه الأساسي للشخصية ، وكذلك في إعطاء الأسلوب والطريقة التي يتم فيها عملية الإشباع ويظهر ذلك من خلال الصراع الذي يحدث بين كل من الهو والأنا الأعلى والعالم الخارجي 0
3ـ الأنا العليا : Super Ego وهو يعتبر مستودع المثاليات والأخلاقيات والقيم الاجتماعية والدينية 0 وكذلك المعايير الاجتماعية والضمير 0 ويعتبر الجهاز الداخلي أو الرقيب النفسي للإنسان 0 ويتكون الأنا العليا من خلال مراحل النمو الذي يمر بها الإنسان فيتطور أو ينفصل جزءا من الأنا إلى ما يسمى بالأنا الأعلى ويرتكز وظيفة الأنا الأعلى على محاسبة الأنا ، وتسعى الأنا الأعلى على كبح جماح الهو ولا سيما فيما يتعلق بالجوانب الغريزية الجنسية أو الجوانب العدوانية 0 ودور الأنا الأعلى هو محاولة مراقبة طبيعة العلاقة بين الهو والأنا ، ويعمل على عدم وقوع الأنا بالخطأ الذي يتعرض لها 0 وقد أشار فرويد في كثير من المواقف على أن الكبت الذي يقوم به الفرد هو من خلال الأنا وليس من خلال الأنا الأعلى ، مع أن المسؤول الأول عن عملية كبتها هو الأنا الأعلى 0 ومن خلال ذلك فإن الأنا الأعلى تظهر لدى الفرد خلال التنشئة الاجتماعية مع الأسرة من خلال النواة الأولى من حياة الفرد ، وهذا ما يكسب الطفل المعايير الاجتماعية والقيم والأخلاق والأعراف 0 وخلاصة القول فإن الأنا الأعلى يمثل الجانب الأخلاقي للشخصية ويمثل كل ما هو مثالي وواقعي ، ومحاولة الوصول بالفرد إلى الكمال بدل اللذة 0