يَعرِف أهل الرياضة خطورة الهجمات المرتدّة...
وذلك أن الفريق الذي رَجَعَتْ عليه الهجمة كان في غير مواقعه، أو كان غافِلاً، فإذا ما رَجَعت الهجمة من الخصم -وكان هناك من ترك موقعه، وأغْفَل مركزه، وفتح خانة- كانت الهزيمة!!
وهذا يعني أن اليقظة مطلوبة، مع الحرص والحذر من ترك ثغرات يستغلها الخصم.
وقُـل مثل ذلك في الحروب والقتال...
فإذا تَرَك المقاتِل ثغرة استغلّها عدوّه... وإذا فُتِحت خانات، أو لم تُغلق المنافذ هجم العدوّ منها فربما أصاب مقتل.
ومثل ذلك في عالم الأجهزة والشبكات؛ فمن ترك المنافذ مفتوحة ربما هوجِم بالفيروسات، وقد ينتج عن هذه الغفلة تدمير الجهاز.
وابن آدم لديه ثغرات، وعليه أن يسدّ جميع الخانات، وأن يُغلِق كل المنافذ.
تلك المنافذ التي ينفذ منها العدو إلى الحصن الحصين، ويصِل فيها العدو إلى الْمَلِك، فينال منه
أعني ملك الأعضاء، وهو القلب؛ فمتى غَفَل ابن آدم هجم عليه عدوّه المتربِّص به في آناء الليل وآناء النهار، عدوّ يدخل مع ابن آدم كل مَدْخَل، بل يجري منه مجرى الدمّ.
بل هو العدو المبين الذي قال عنه رب العالمين: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168].
وقد أخبر الله ، وأمَرَ وعَلَّلَ؛ فقال رب العزة سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
فهو يسعى سعياً حثيثا دؤوباً على تلمّس الثّغرات في قلب ابن آدم، فحيثما وجَدَ ثغرة دَخَلَ منها ونَفَذَ، وتسوّر حِصْن القلب؛ فالغَضَب ثغرة...
والغفلة ثغرة، ولذا قال ابن عباس في قوله: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [سورة الناس: 4]، قال: "الشيطان جَاثِمٌ على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خَنَس".
فهو مُتربِّص بك الدوائر، مُبتغٍ لك الغوائل!!
والذنوب ثغرات:
«إن الشيطان قال: و عزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي و جلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» [حسنه الألباني].
قال ابن القيم: "الشيطان يَشُمّ قلب العبد ويَخْتَبِرَه" اهـ.
فإن الشيطان يشم القلوب وينظر في مداخلها ويتحسس ثغراتها ومناطق ضعفها.
فلكل قلب ثغرة، ولكل شخص -غالباً- شهوة، يَضعُف أمامها، فتزيد الحاجة إلى قوّة المدافَعَة، وإلى شدّة الحرص، وإلى مزيد من اليَقَظَـة.
فاحرص رعاك الله على إغلاق المنافذ حتى لا يدخل فيروس الشيطان!!، وعلى اليقظة والحرص حتى لا يكون لهجماته المرتدّة أثَــر؛ فاجعل الذِّكْر حارَس قلبِك ، حتى يَخنس إبليس ويَضْعف ، ولا يوسوس؛ واجعل الاستغفار الضربة القاضية على إبليس، حيث أخبَر أنه أهلكه الاستغفار، كما في بعض الآثار؛ واجعل السجود فَـرَح قلبِك بالانتصار، وبُـكـاء إبليس بالهزيمة والفِرار...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فَسَجَدَ ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويله» - وفي رواية: «يا ويلي» - «أَمِـرَ ابن آدم بالسجود فَسَجَدَ، فَلَهُ الجنة، وأمِـرْت بالسجود فَأَبَيْتُ، فَلِي النار» [رواه مسلم].
فتذكّر أن خُسران هذه الجَولَة وانتصار الشيطان يعني الخُسران المبِين، وأن انتصارك على الشيطان مآله رِفعة الدّرَجات، واعلم أن الشيطان لا ييأس، بل لديه صبر وجَلَد، فهو يُحاول الفوز والانتصار على بني آدم حتى تَخرج أرواحهم من أجسادهم.
وتذكّر أخيرا -حفظك الله- أن موسم الخيرات على الأبواب، فلتكن الجولة فيه لك لا لعدوِّك.
وليكن الفوز من نصيبك لا من نصيب إبليس..
عِــدْ نفسك أن يكون هذا الشهر هو وداع المعاصي، وهو نهاية المطاف في السَّير في رَكْب إبليس!!!
والله يتولاّك.