يعد التفكير الابتكاري من أهم القدرات التي يجب على الأنظمة التربوية
توجيه عناية خاصة بها لكي تجيد هذه الأنظمة أداء الدور المنوط بها في عالم
اليوم، هذا العالم الذي يتميز بكثرة التحديات والمشكلات التي يعايشها
الأفراد والمجتمعات، وازدياد حدة التنافس والصراع بين الدول من أجل البقاء
واثبات الوجود.
وهنا يجب على الأنظمة التربوية صوغ توجهات مستقبلية في
مناهجها التربوية وأهمها التخلي عن السياسات التعليمية القائمة على اكساب
المعلومات وتخزينها في عقول المتعلمين والتوجه نحو تنمية قدرات التفكير عند
الطلاب.
ومادة الدراسات الاجتماعية من المواد التي يرتكز عليها أي نظام
تربوي في كل بلاد العالم، وهي إذا ما أحسن الإعداد لها وتدريسها تعد
ميداناً خصباً لتنمية التفكير عند الطلاب . والتاريخ يعد مجالاً واسعاً
لاثارة التفكير واطلاق العنان للخيال مما يشجع على التفكير الابتكاري، وقد
أشار هدسون إلى أن التاريخ ميدان خصب للتفكير التباعدي.
وعلى الرغم من
تأكيد أهداف تدريس التاريخ في المرحلة الثانوية بسلطنة عمان على اكتساب
مهارات التفكير الإبتكاري كالبحث والاستقصاء مع استخدام الأسلوب العلمي في
التفكير، وإجراء مختلف العمليات العقلية عليها مع توفير موقف تعليمي يسمح
للطلاب بالمبادأة وطرح أسئلتهم وتقبل مشاعرهم وتقدير الاجابات. إلا أن
الواقع الفعلي لتدريس هذه المادة يركز على إكساب الطلاب الكم الهائل من
المعلومات التي تزدحم بها الكتب المدرسية، مما أدى بالمعلمين إلى اعتماد
طريقة التدريس التقليدية المتمثلة في التلقين لنقل تلك المعلومات إلى أذهان
الطلاب بالرغم من الضعف الذي أظهرته في تنمية التفكير.
وهناك الكثير من
الطرق والاستراتيجيات والأساليب والبرامج الموجهة لتنمية التفكير
الابتكاري ومن أهمها استراتيجية العصف الذهني؛ كونها جربت في الميدان
التربوي على العديد من المواد التعليمية وأثبتت فعاليتها في تنمية قدرات
الابتكار لدى الطلاب. ومن هنا تاتي هذه الدراسة لمعرفة أثر استخدام
استراتيجية العصف الذهني في تدريس التاريخ على تنمية قدرات الابتكار لدى
طلاب الصف الأول الثانوي بالسلطنة. كون الباحث لم يعثر على دراسة استخدمت
العصف الذهني لتنمية التفكير الابتكاري في مادة التاريخ.
ولكن ما هو التفكير الأبتكاري؟
التفكير الابتكاري
عرف
الباحث التفكير الابتكاري بانه عملية نفسية عقلية يمارس الفرد خلالها
تفكير انفراجي حر على مشكلة محددة بهدف الوصول إلى حلول جديدة ومثيرة لدهشة
الآخرين. والتفكير الابتكاري هو أحد أنواع التفكير التباعدي والذي يعني
التفكير في نسق مفتوح موجه لاعطاء حلول متنوعة للمشكلة.
لذا أن أبرز ما
يميز التفكير الابتكاري هو التغيير، فعند مواجهة مشكلة ما يجب تجنب الأفكار
المسيطرة أو المهيمنة دائما، بل يبدأ البحث عن بدائل، أفكار جديدة،
مقترحات متنوعة وهنا يعد التفكير الابتكاري مدخل جديد في النظر للمشكلة
يختلف عن المداخل التقليدية، وهو مدخل تطويري تغييري للأفضل، وقد أطلق عليه
ديبونو التفكير الجانبي لأنه كما ذكر يأخذ مساراً آخر في العقل غير المسار
النمطي التقليدي المقيد.
وتتطلب عملية التفكير الابتكاري قبل كل ذلك
تحديداً دقيقاً للمشكلة حتى يمكن التركيز عليها وضخ أفكار عميقة وموجهة
بعناية، أما المشكلة التي يعنى التفكير الابتكاري بايجاد حلول لها فتعني
الشيئ المتضمن في موقف أو قضية ما ونريد ايجاد حلول له حتى يمكننا التطوير
والتغيير، أي الانتقال بالموقف من حالة راهنة إلى حالة أفضل.
ويتطلب التفكير الإبتكاري عدة قدرات خاصة وهي :
1- 1-الحساسية للمشكلات (Sensitivity to problems): وتعني القدرة على رؤية العيوب والاحتياجات والنقائص في المعرفة.
2- الطلاقة (Fluency): وتعني القدرة على إنتاج أكبر عدد من الاستجابات المرتبطة بالموضوع.
3- 3-المرونة (Flexibility): وهي القدرة على توجيه أو تحويل مسار التفكير مع تغير المثير أو متطلبات الموقف وهي عكس الجمود الذهني.
4- 4-الأصالة (Originality): وتعني القدرة على إنتاج استجابات غير عامة، بعيدة، غير
عادية وذات ارتباطات غير تقليدية. والأصالة تعتبر أكثر وجه يعكس التفكير الإبتكاري.
ولتنمية التفكير الابتكاري للطلاب في المدارس العديد من الفوائد التربوية أهمها:
-
حل المشكلة: حيث يتخرج الطالب من المدرسة ولديه القدرة على حل المشكلات
بطريقة علمية وبجدة مستخدماً أنماط تفكير جديدة وغير روتينية.
- الصحة
العقلية: أثبت ماسلو أن ممارسة التفكير الابتكاري يولد صحة عقلية عند
الطالب، لأن التفكير الابتكاري يتيح للطالب فرصة التعبير عن أفكاره بحرية
وبدون نقد، كما يشعر بأنه هو الذي يولد المعرفة وينتجها.
- تقدير الذات:
يتيح التفكير الابتكاري للطالب إعطاء حلول مختلفة للمشكلة بحرية، ويتقبل
المعلم كل تلك الحلول ولا ينقدها إلا في النهاية، لذا يعد ذلك تعزيزاً
للطالب مما يعزز صورة الذات لديه.
- الاختراع: هناك علاقة وثيقة بين التفكير الابتكاري وتطوير القدرة الاختراعية عند الطالب.
-
تقليل العدوانية: عند ممارسة التفكير الابتكاري ستتولد علاقة قوية بين
المعلم والطلاب لأنهم سيتشاركون في حل مشكلة ما، ويتقبل المعلم حلول الطلاب
قبل نقدها، كما أن العمل على حل مشاكل حيايتة تمس الطالب تجعله يشعر بقيمة
التعلم ويقدر هذه العملية؛ وهذايعدل ايجاباً من اتجاهه للمدرسة واحترامه
للنظام المدرسي.
- العفوية: التفكير الابتكاري يخلق أفراداً يتسمون
بالعفوية والتلقائية وعدم التعقيد والتشدد في المواقف، لأن ممارسة التفكير
الابتكاري تجعل الطالب منفتحاً على مختلف البدائل ووجهات النظر.
تنمية التفكير الابتكاري
يتفق
علماء النفس أن كل الأفراد الأسوياء لديهم قدرات ابتكارية، لكنهم يختلفون
في مستويات امتلاكهم لها. وإذا ما أريد تنمية التفكير الابتكاري فيجب أولاً
تهيئة بيئة فصلية محفزة للابتكار يشعر الطالب فيها بأمان سيكولوجي؛ أي أن
أفكاره وحلوله غير مهددة بالنقد والتهكم. كما يجب تقبل أسئلة الطلاب
وتعزيزها، وعلى المعلم اتباع الاجراءات التالية:
- العمل على إثارة
الخيال الخصب عند الطلاب، وذلك بإبراز ظواهر وأحداث يمكن لدارس المرحلة
الثانوية إثارة خيال خصب حولها، وهذا الخيال يجعل عقل الطالب يعمل بحرية
لايجاد تفاعلات جديدة، ورؤية وتصور أمور وعلاقات غير واضحة قبل ذلك، لأن
الخيال هو الشريك القوي لعملية الإبتكار.
- -إرجاء الحكم، فلا يقوم
المعلم بالحكم على المخرجات (استجابات الطلاب) مباشرة بل يرجئ ذلك لفترة
أخرى، كما يجب ممارسة نقد واقعي وبناء للأفكار المعروضة.
- -يساعد
المعلم الطلاب على أن يكونوا حساسية للمشكلات(المعرفية والاجتماعية
والشخصية) فأول مرتكز لعملية التفكير الإبتكاري هو الحساسية للمشكلات.
-
-على المعلم أن ينمي الفضول عند الطلاب، والفضول هنا يعني الميل لمعرفة
الأشياء كل أنواع الأشياء فقط لمعرفتها، فالمعرفة لديه ممتعة وغالباً ما
تكون مفيدة.
- -التحدي: ينبغي على المعلم أن يبني جانب التحدي عند الطلاب في مواجهة المشكلة.
-
-الشكوكية: على المعلم أن يعرف أن الابتكار يسير في خط لا منته فعلى
الطالب أن يكون شكاكاً في الحلول والمعالجات التي طرحت للمشكلة حتى ينتج
أشياء أخرى.
- -يجب عرض مشكلات واقعية من داخل المجتمع وتمس حياة الفرد على أن تكون المشكلة محددة وليست عامة.
العصف الذهني
تعد
استراتيجية العصف الذهني أكثر المنهجيات شيوعاً واستخداماً في الميدان
التربوي لتنمية التفكير الابتكاري وهي إستراتيجية تدريس يقوم المعلم خلالها
بتقسيم طلاب الفصل إلى أكثر من مجموعة ثم يطرح عليهم مشكلة تتعلق بموضوع
الدرس، بعدها يقوم الطلاب بإعطاء حلول متنوعة للمشكلة ويرحب بها كلها مهما
كانت، ويقوم قائد المجموعة بتسجيل كل الأفكار على أن لا يسمح بنقد وتقويم
تلك الأفكار إلا في نهاية الجلسة بواسطة المعلم والطلاب .
ويحكم هذه الاستراتيجية القواعد التالية:
- - تاجيل الحكم: يؤجل الحكم على الأفكار إلى ما بعد نهاية الجلسة لأن الأفراد يكونوا تحليليين بشكل فوري.
- -الكمية مطلوبة: تتميز الاستراتيجية بغزارة الأفكار المطروحة بسبب قوة التداعي الحر والجهد المحفز للمناقشة.
- قبول كل الأفكار المطروحة: يمكن أن تكون الأفكار الغريبة مفيدة، فمعظم الأفكار غير العملية تأتي من الأفكار السخيفة والطائشة.
-
-البناء على أفكار الآخرين: في العصف الذهني يسمح للأفراد ببناء أفكارهم
على الأفكار المعطاة من قبل المشاركين لتطويرها وتحسينها وايجاد أفكار
أخرى.
- -يجب أن تكون المشكلة المعالجة مشكلة محددة وليست عامة حتى يتمكن الأفراد من حصر اهتمامهم وتوجيه أفكارهم بدقة.
- -قائد المجموعة: يعين الطلاب قائد يعمل على تسجيل أفكار الطلاب ويعمل على الزام الطلاب بالتقيد بقواعد العصف الذهني.
وتمر جلسة العصف الذهني بقواعد عدة هي:
-
-الاعداد لمجموعة العصف: يقوم المعلم بتقسيم الطلاب إلى أكثر من مجموعة
(4-6) مجموعات، ويطرح عليهم مشكلة من داخل الموضوع المعالج، وتحدد المشكلة
بدقة، ويكون الطلاب مجموعات على شكل دائرة مستديرة.
- -توليد الأفكار:
بعدها يقوم الطلاب بطرح الحلول بالتعاقب، وعندما تنضب الأفكار يقوم قائد
المجموعة بطرح فكرة ما أو يساعدهم المعلم على ذلك، أو يقوم بطرح الأفكار
بالبناء على أفكار سابقة.
- - تقييم الأفكار: بعد طرح الأفكار يقوم
المعلم وطلابه بنقد أفكار الطلاب وتصنيفها في مستويات ثلاثة: أفكار جيدة-
أفكار تحتاج الى تطوير- أفكار لا تعمل.